الفرق بين الشخص الانطوائي والاجتماعي؛ وإزاي تتعاملوا مع بعض

في اللغة العربية؛ مَنْ يُغَلِّب (يُفضل) شعوره الذَّاتيّ ويعزل نفسه عن الآخرين. الشخص المُنطوي على ذاته، طيّات يعني طبقات.

في الإنجليزي، كلمة Introvert جاية من كلمتي Intro و Vertere يعني الإتجاه للداخل، الإنغلاق. وعلى النقيض، كلمة Extrovert جاية من اللاتيني Extro و Vertere ومعناهم الإتجاه للخارج، الإنفتاح.

ومن معنى الكلمة تقدر تفهم أول حاجة عن الإنطوائي:

طبيعته بتخليه عايش جوه دماغه أكتر من المشاركة في اللي بيحصل بره النطاق ده.

ولكن.. ده مش معناه إنه بيكره المشاركة، أو مش بيحب الناس او التواصل معاهم.

الإنطوائي بيفضّل التواصل مع كل واحد لوحده، لإن التجمعات الكبيرة بتسحب من طاقته، ولازم يرجع يقعد في الهدوء اللي بيحبه عشان يشحن.

عكس الإجتماعي اللي ممكن يشوف جحيم في فكرة إنه يقعد وحده من غير ما يتكلم مع ناس.

على قد ما التشبيه غريب، بس هتفهم منه الفكرة؛ تخيّل السجن الإنفرادي..

الإجتماعي: ايه ده؟ مش هقدر أخرج ولا أشوف ناس؟ هكلم نفسي؟ إيه العذاب ده!

الإنطوائي: طب والله كويس، مش هضطر أخرج ولا أشوف حد ولا أتكلم كتير وهقعد في هدوء، إيه الجمال ده!

“Closed in a room, my imagination becomes the universe, and the rest of the world is missing out.”
― Criss Jami

إحنا بالفعل عايشين في عالم متعود على شكل مُعين من المهارات الإجتماعية، زى “الكلام في أى حاجة” ومُعتبرين إن ده العادي وفاهمين “الإنسان إجتماعي بطبعُه” غلط أوي.

مشهد واحد: الفرق بين الشخص الانطوائي والشخص الاجتماعي:

راكب تاكسي، وصديقي الإجتماعي جدًا قعد يتكلم مع السواق لمدة ساعة بلا إنقطاع عن.. الجو.

“ده النهاردة الجو ماله، وإبن خالتي في الكويت بيقول الدنيا هناك حر، بس إبن عمتي في دبي بيقول إنهم ماشيين ببطاطين في الشارع..”  أى حاجة وخلاص.

والسواق بيرد عليه ومبسوط جدًا بالتواصل ده لدرجة إنهم تبادلوا الأرقام عشان.. مش فاكر، انا بطلت أتابع من أول ربع ساعة.

حاجة زى كده بتوضح الفرق، لإن أكيد سواق التاكسي مكانش هيبقى مُهتم يتكلم معايا في الطبقات السبع للـTaxonomy ولا عن إزاي الضوء أسرع من الصوت بس عقلنا بيخدعنا وبيترجم الإتنين مع بعض في نفس الوقت..

إنعزال الإنطوائي عن المشاركة في الكلام –سامحني في الكلمة- التافه، هو اللي بيخلي ناس كتير تشوفه إما كشخص وقح ومُتكبر، أو خجول وبيتكسف وياعيني عليه..

بس دي حاجات صغيرة بالنسبة لإن ناس هتشوفه مُريب.

في دراسة إتنشرت في Neuroscience Journal بتوضح إن الإنطوائيين عندهم كميات أكبر وأكثر كثافة من المادة الرمادية في القشرة أمام الجبهية في الدماغ –سامحني على الكلام، جايلك في السكة- واللي مسؤولة عن التفكير البحت وإتخاذ القرار.

مُقارنة بالإجتماعيين اللي عندهم مادة رمادية حجمها أقل في نفس المنطقة من الدماغ. يعني ايه؟ بالبلدي بقى
الإنطوائي دماغه مبنيّة على إنه يفكر أحسن ويفكر كتير، بينما الإجتماعي ببساطة.. بيعيش اللحظة.

ولأ، المادة الرمادية الكبيرة مش معناها إنه مكبر دماغه.
الكلام ده معناه إن الإنطوائي بيفكر أكتر في اللي بيحصل حواليه، بس مش هنروح لبعيد.

دي دراسة  بتقول.. كلام كتير الحقيقة، بس المُختصر فيه هو إن الإجتماعي لما بتحصل او تتقال قدامه حاجة، رد فعل دماغه بيكون أسرع (فاكر المادة الرمادية؟) بينما الإنطوائي بيستوعب اللي إتقال او حصل، ويفكر فيه ويحاول يستشير ذاكرته في معلومة مفيدة عشان يستخدمها في رد الفعل.. وبعدين بيطلع منه رد الفعل. وده مش معناه إن دماغه بطيء، ده معناه إنه بيفكر أكتر.

مشهد اتنين: الفرق بين الشخص الانطوائي والشخص الاجتماعي:

“إنهاردة البنت في الكوافير قعدت تكلمني عن خطيبها اللي مش بيتصل بيها ولا بيكلمها بقاله اسبوعين، وتقولي إنها حاسة انه بيخونها ومش متأكدة، فكانت متضايقة وبوظتلي ضوافري. وأنا كنت متضايقة عشان أصلًا البنت بتاعة الـHair Removal إدتني نصايح غلط وجلدي إتحسس وفضلت مش عارفة ألبس ايه عشان الحساسية متبانش. عشان منظر دراعاتي بشع. هو أنا تخينه؟”

الإجتماعي: “لأ يا حبيبتي مش تخينة ولا حاجة، كملي” (ويكمل فرجة على الماتش)

الإنطوائي: بعد شوية صمت.. “هو إحنا ليه بنتكلم في ده على الغدا؟”

اللي حصل هنا هو إن الإجتماعي مكانش مركز في اللي بيتقال، بس لما جاله السؤال، كانت إستجابته سريعة.

بينما الإنطوائي كان فعلًا مركز في كل اللي إتقال، بعدين قعد يلوم نفسه إنه فتح الموضوع، بعدين لقى إن مش هو السبب، بعدين لقى إن مفيش سبب، بعدين لقى إن المواضيع إتغيرت ومفيش حاجة ليها علاقة بالتانية.. فأخد فترة يستوعب التلوث اللي حصل ده وبعدين إستجاب.

انطوائي-و-اجتماعي

وعمومًا..

بعد فترة طويلة من المُعاناة من الحاجات اللي الإنطوائي مش عاوز يتعامل معاها، زى إنه يكون في فرح مثلًا، هيضطر يمشي بدري.

لو في حالة تانية مش هيعرف يمشي عشان الناس متتضايقش، او علشان “ميصحش،” هيفضل موجود، بس عقله مش هنا، وهيسكت. (إرجع لنقطة الناس هتشوفه إزاي).

ده علشان عالم النفس “هانز هايزنك” بيوضّح إن الإنطوائي بيحتاج مُحفزات أقل من الإجتماعي عشان ينشط، وبالتالي هيتعرض لـ”التحفيز المُفرط” بشكل أسهل.

مشهد تلاتة: الفرق بين الشخص الانطوائي والشخص الاجتماعي:

الفرح إبتدى الساعة 9 والنوعين موجودين.

الإنطوائي إتنشط بالصوت العالي والأضواء والمعازيم الكتير بسهولة من أول نص ساعة، بعدين بدأ يتعب، بعدين جاب جاز ولازم يمشي عشان يتعافى.

الإجتماعي؟ الساعة هتبقى جات 11 وهو لسه بيتحفز بالمزيكا والرقص والناس، ومعاه كمان تلات ساعات علشان يتعب من كل ده.

طب وده بيحصل ليه؟ علشان ذهن الإنطوائي شايف تقريبًا كل حاجة في المكان:

المزيكا، الدي جي والمايك واقفين هناك، والإضاءة اللي تجيب الصرع، والستاير الكتير اللي أحباب الله بيكعبلوا بعض فيها، والمعازيم اللي بيستفزوا بعض ببناتهم، وبناتهم، ومين بيرقص ومين لأ، وفين العريس عاوز أسلم عليه..

لكن ذهن الإجتماعي شايف ناس بترقص فبيرقص عادي جدًا.

طب وبعدين؟ أنا إنطوائي وأمي بتقول عليا خايب.. هو أنا إتولدت في الكفة الواقعة من الميزان؟ مفيش حاجة تتعمل؟

الحاجة الأصح هنا هو إن، آه، في إحتمال كبير إنك إتولدت إنطوائي. دكتور جيروم كاجمان من جامعة هارفاد عمل دراسة على حوالي 400 طفل علشان يلاحظ ردود الفعل تجاه النور القوي والصوت العالي، وشايف إن ردود أفعالهم بتحدد –بنسبة محترمة- طريقة تعاملهم مع المواقف المشابهة في المستقبل (الفرح)

بس لازم أقولك إن الست الوالدة الله يمسيها بالخير.. غلطانة.
معلش سامحني يعني بس هقولك؛  إنت مش خايب، إنت محتاج تفهم نفسك عشان تعرف تتعامل مع ده.

مش معنى إنك إنطوائي تبقى أقل من الإجتماعي.
زى ماهو أحسن في التفاعل مع الناس، إنت أحسن في التفكير..  وبعدين هيّ مش مُقارنة، مينفعش تقارن التفاح بالكُمترى.
ولازم تعرف كمان إن الإنطوائي بيقدر يتعلم أسرع، فلو كانت الأزمة في المهارات الإجتماعية، فدي تقدر تتعلمها. وممكن تتفوّق على الإجتماعي فيها بالمناسبة.

النقطة اللي في صالحك هنا إن ده هيكون أسهل، بما إنك بتعرف تلاحظ الناس بتتعامل إزاي، وايه المقبول بينهم وإيه اللي بيحبوه، هتعرف تجاريهم.

فيه حاجات كتير محدش هيفهمها أحسن من الإنطوائي. وفي حاجات الإنطوائي مهما حاول مش هيفهمها.

زى إن زميل في الشغل كان باصص على إتنين من الزميلات بيتكلموا، وعلى وشه علامة تعجُب كبيرة من حواجب مرفوعة وبُق مفتوح..

فجاي يسأل؛ هو إزاي ممكن إتنين يتكلموا في نفس اللحظة ويردوا على بعض ويسألوا ويجاوبوا في نفس الوقت؟

وأنا لحد النهاردة مش عارف الإجابة، بس بخمن إنها قدرات إجتماعية خارقة أنا معرفش عنها حاجة 😀

طب أنا إجتماعي، أتعامل مع الإنطوائيين إزاي؟

الحاجة اللي لازم تعرفها هيّ إنه مفيش إنطوائي 100% ولا إجتماعي كده برضو، الموضوع شبه الين يانج وكل جانب فيه من التاني وبيكملوا بعض.

لو مكالمة تليفون، سلّم عليه وإدخل في الموضوع، “بقولك” اللي بتيجي في نص المكالمة وتخضه بيها دي متنفعش.

الإنطوائي مبيحبش المفاجآت، خصوصًا لو كنت باديء المكالمة بكلام فارغ عن الجو أو ما شابه. مبيحبش الكلام ده.

لو هتقابلُه وجهًا لوجه، متحاصروش بالـEye Contact عشان شعور إنك متراقب ده مش مُريح ابدًا، وهيزعجه.

ولو ينفع يعني، متقعدش في الناحية اللي قصاده، الكلام ده بيبقى في الإستجواب او التحقيق، مش إتنين قاعدين في كافيه.

الإنطوائي لو حابب يتكلم هيتكلم، متفضلش تقوله إحكيلي او قولي ولا تقوله ساكت ليه، الموضوع مُحرج ومُزعج.

دوّر على موضوع هو مُهتم بيه وهو مش هيبطل كلام.

حاجة كمان؛ الإنطوائي بيفكر كتير قبل ما بيتكلم، فلو وصل لإنه يتكلم فعلًا يبقى عنده حاجة مُهمة تتقال.
وبالتالي، كابوس الإنطوائي الأول هو إنه بعد التفكير ده كله إنك تغير الموضوع، أو تقاطعه وسط كلامه.
أشبه بإنك تقوله يطلع لسانه، ولما يطلعه تقوم قافل سنانه عليه، مُتخيل الألم؟ بلاش بقى.

الإنطوائي هيحبك لو إديته مساحة يفكر أو يشارك باللي حاسس بيه بشكل سليم، أقصد هنا تديله وقت.
مُتخيل لو حد شاركك حاجة وبعدها بسرعة: “هاه؟ شايف ايه؟ ما تقول اللي عندك؟ إنطق يابني!” مُتخيل الرخامة؟

لو أول مرة تتعرف على إنطوائي، فخليك متأكد إنه مش هيفضل يتصرف بنفس الطريقة، مع الوقت هيتعود عليه وهتقدروا تتفاهموا أكتر.

  • إديله مساحته وإخلق مواضيع مشتركة والموضوع هيبقى كويس.
اترك تعليق