ليه العلاج النفسي ، هو انا مجنون؟!
مين المجنون؟ إنت بتتكلم عليا؟
الجنون حسب تعريف معاجم اللغة العربية هو “زوال العقل أو فساد فيه”
بينما ويكيبيديا بتقول –بإختصار- إن الجنون هو:
“عدم القدرة على السيطرة على العقل، أو هو مجموعة من السلوكيات الشاذة التى يقوم بها الاشخاص بدون وعى وادراك ورغما عن ارادتهم، و الذي يودي إلى انتهاك المعايير الاجتماعية، وقد يصبح هؤلاء الأشخاص يشكلون خطرا على أنفسهم أو الآخرين .”
ده غير ان تخيًل المجنون للمواطن المصري العادي هو اللي ماشي يشد في شعره ويشتم الناس، ويزعق، او معاه “شهادة معاملة أطفال” أو يمكن سفاح وبيدور يقتّل في الناس بالليل. أو هنختصر المسافات ونقول لابسُه عفريت مخليه يتصرف كده.
يمكن انا وانت هنقول ان ده غلط ولأ مبالغة، بس دي الحقيقة. ويمكن الفكرة السيئة دي هي اللي بتمنع الناس اللي عندها اضطرابات او مشاكل نفسية من انها تروح تتعالج، زى انك تبقى بتتكلم مع حد ويقولك: “ده فُلان راح مصحة نفسية” ويوطّي صوته فيها علشان “العار” اللي في الموضوع، وانه يا حبة عيني بقى مجنون وأهله مش عارفين يعملوا معاه ايه فحجزوه في مصحة وتلاقيه مربوط في سرير وبيزعق وبيتعالج بالصدمات الكهربائية.
زى فيلم عادل إمام “رسالة إلى الوالي” لما كان جاي من زمن تاني وبيتكلم بطريقة غريبة، عملوا فيه ايه؟ أخدوه مكان رديء واضاءته مُخيفة والناس فيه مكشرة وقعدوا يكهربوه في البدروم.
يمكن بالفعل السينما شكلت جانب كبير من الوصمة دي عن المرض النفسي، مجانين وخطر على المُجتمع.
ومهما قلنا، وعيدنا، يا جماعة، زى ما بيجيلك مرض عضوي غيرك عنده مرض نفسي. وزى ما عندك مشاكل في الهضم، في ناس تانية عقلها مش متظبط وكيميا الجسم مش طبيعية. يا جماعة ده عادي وطبيعي.
الناس بتشوف ايه؟
أبسط مثال حصل معايا شخصيًا لما كنت بتكلم عن حالة إكتئاب، فما كان من الطرف الآخر غير انه قال: “مينفعش تغير وجهة نظرك في الحياة وتخليك إيجابي؟”
أو “ياعم ما كلنا عندنا مشاكل، إيه يعني شوية قلق وهيروحوا لحالهم؟”
ده غير اللي بيزايد عليك وأول ما تحكيله انك ممكن تكون محتاج أخصائي، يقعد يقولك طب ما عندك انا اهو، عندي كذا وكذا وبيحصل معايا مش عارف ايه، ومش بعرف انام كويس.. شفتني اشتكيت زيك ولا رحت مستشفى مجانين؟
هو انا فايتني حاجة؟ هي فين الشطارة في ان يبقى عندك مشاكل وساكت؟
أو فين فايدة مجهود انك تقلل من حجم معاناة حاجة غيرك بيمر بيها؟
يعني احنا بنقول مثلًا، أبسط مثال يعني، هما “شوية التوتر” اللي بيتقال انها عند الناس كلها، اللي بيشتكي منه فعلًا ممكن يكون عنده إضطراب القلق العام وانت متعرفش .
واحد صاحبك كان هيعمل حادثة، او عملها بالفعل، وحتى بعد ما طلع من المستشفى، انت ملاحظ انه بيتصرف بطريقة غريبة، وهو يمكن بيشتكي انه مش كويس، فتقوم باصصلُه كده جسديًا، من بره، وتقوله “ما انت كويس اهو ياعم مفيش فيك حاجة، انت غاوي تقلق نفسك وخلاص؟”
مع انه فعلًا ممكن يكون اترعب من التجربة، وممكن يكون عنده إضطراب ما بعد الصدمة، ودي حاجة مش سهل التعايش معاها، ومش بتتحل لوحدها.
يعني حصلت قبل كده:
زميل في الشغل بيحكي عن ان ابنه عنده صعوبات تعلم ومش عارف يتابع مع المدرسة كويسة ومستواه في النازل. ورغم انه بيهزر وبيقول “الواد طالع مُـتخلف تقريبًا” بضحك، بس هو متضايق.
مش عارف ان ده ممكن يكون مرض عسر القراءة او الديسلكسيا مثلًا، يعني الواد مش مُتخلف ولا غبي، هو بيشوف الصفحة اللي فيها حروف وكلمات كأنها رموز فضائية مالهاش معنى.
والناس بتتكلم في حاجة وشايفة حاجات هو مش شايفها، مُتخيل؟ الموضوع مُحبط جدًا، ولو متعالجش هيروح لفين غير انه يبقى عُقدة؟
لما تلاقي ان حد حالته المزاجية مش مظبوطة، وتحصل حاجة تزعل فتلاقيه ضحك بعدين عيّط بعدين سكت، زى جملة “نص بيضحك والتاني زعلان” كده، أو جملة “اللي حصلي ده وحش.. أنا مبسوط!” الأغلبية هتبصله ايه غير انه بيهزر كتير او مزاجه متقلب أو بيسف.. لما ممكن يكون عنده إضطراب ثنائي القطب ومحدش –ويمكن ولا هو نفسه- عارف.
ولازم برضو نقول ان المبالغة في تفسير الأعراض ممكن تعمل حاجة اسمها “توهم مرضي”
يعني البني آدم يفسر كام حاجة بتحصل على انها مرض وانا عيان وهموت خلاص، فيكشف، والتشخيص يطلع مفيش حاجة او مش بالشكل اللي متصوره، يقوم يعمل ايه؟ يشك في رأي الدكاترة ويقول لأ هما غلط. وأنا عيان ومحدش فاهم حاجة.
طب يعني نعمل ايه؟
التطرف في الحالتين مش صح، مش هينفع تتجاهل الأعراض اللي مستمرة فترة مُحترمة، وبتشكل صعوبات في اسلوب حياتك، وتقول لأ هي هتروح لوحدها، لأن دي أعراض لحاجة موجودة. مش المرض او الاضطراب نفسه هو اللي بيختفي فجأة. ولا هينفع تهوّل من الحاجات البسيطة وتبالغ في ردة الفعل علشان في نسبة من الناس بتمرض بالإيحاء كده، تقولهم وشك أصفر وشكلك تعبان يقوم يتعب فعلًا.
اللي بنحاول نقوله هنا هو اننا ندي الحالة حقها بالظبط. مش أكتر ولا أقل.
لو تعبان، والتعب مستمر، اكشف. متاخدش من كلام الناس ولا من مقالة تشخيص، احنا بنساعدك تفهم عن الموضوع بشكل عام، لكن التشخيص ميجيش غير من دكتور بعد فحص للأعراض والتصرفات وتاريخ العائلة بتاعك وشوية حاجات تانية، مش موضوعنا.
وصم الاضطراب النفسي او المرض العقلي بالجنون مش هيساعد، حتى لو من باب الهزار وانك تحاول تخفف عن اللي بيعاني، كده بنزيد الطين بَلّة. والحاجة اللي مش متأكدين منها مش هينفع نفتي فيها. لإن كل واحد فينا ليه “ودن” بتسمعله، وناس بتثق في كلامه وآراءه، فنخلي بالنا علشان مفيش حد يتأذي من ده واحنا مش واخدين بالنا.
وعلى الجانب الآخر، في ناس كتير مش نافع معاها فكرة انهم يدخلوا مرحلة العلاج او يقعدوا في مصحة، بيبقى ده ببساطة إختيار مش وارد ومش هيحصل، علشان البيت بقى او عشان الشغل ميتأثرش او عشان بيكره المستشفيات او علشان مش شايف أهمية الموضوع.. الأسباب كتير.
يبقى اللي يتعمل هنا هو اننا نحاول نوصل معاه بس لمرحلة التشخيص المبدأي، نحاول بس نعرف ايه اللي عنده، وبعدين ندور ازاي ممكن ندعمه بالطريقة اللي تناسبه، وايه اللي يتعمل علشان نقدم مساعدة تخليه يتحسن، وهنا ممكن ناخد نصايح طبيب أحسن من اننا نخمن ايه اللي ممكن يتعمل، دي مش حاجة نجرب فيها ويا صابت يا خابت.