خداع الناس فاني لكن خداع الذات ملوش اخر
لما المبشر الاسباني بارتولومي دي لاس كاماس حس بالشفقة علي الهنود اللي كانوا بيموتوا كل يوم في حفر العمل الشاهقة في مناجم الدهب في جزر الانتيل عام 1517 م .. اقترح علي شارل الخامس ملك اسبانيا خطة لاستيراد الزنوج علشان هم اللي يموتوا في حفر العمل بدل الهنود.. ومازلنا بنعاني لحد النهاردة من نفس النمط ده من الشعور الانساني الملتوي (المبدأ اللي بتفكر فيه و التصرف اللي بتعمله).
الباحثون بيقولوا ان فيه تلات ابعاد للشخصية :
- الصورة الشخصية (الذاتية) و هي الشخص شايف نفسه ازاي, خاصة لما بيخلو لنفسه و يبحث عن ذاته.
- الصورة الاجتماعية و دي بتحدد ادراك المجتمع و الناس للشخصية و ازاي بيبصوا لصاحبها و يقيموا صفاته و تصرفاته و الاحتمال الاكبر انها بتكون مختلفة بدرجة كبيرة عن الصورة الذاتية..و دي بتشمل حوالي 70-80% من حياتنا.
- الصورة المثالية ودي اللي بيحاول الشخص تحقيقه من طموحات و امال.. و دي الصورة اللي بنكافح للوصول ليها.
التناغم بين التلات صور دول يعتبر اهم ابعاد الصحة النفسية و العكس صحيح.
لو اتكلمنا عن الانسان من وجهة نظر نفسية بحتة هنلاقي ان مصدر معظم الاضطرابات بتيجي من مرحلة الطفولة..هل الشخص اتربي علي انه مايكدبش علي نفسه ولا الانكار كان هو الملاذ الوحيد للهروب من الحياة؟
هل فعلا التصرفات بتعكس القناعات ولا صاحب الفلسفة مش بالضرورة اقدر واحد علي تطبيقها؟
علشان نفهم الموضوع ده لازم نفرق بين ابعاد الشخصية و مكتسبات الشخصية (الطبع والتطبع).
خلينا نقول انك واقف علي الشط..و رميت زلطة في وسط الماية..منظر الحلقات اللي بتتكون اول ما الزلطة تلمس الماية و بتقعد توسع لحد ما كثافة الماية ترجع تاني فتبقي راكدة تماما من الاول و جديد.
البحر في صورته الاولي هو الشخصية اللي اتدخل في بناها ابوك و امك و مجتمعك و جيناتك و الوجدان الجمعي و بتتقلب بتقلب الحياة نفسها..الدواير اللي حصلت من الزلطة زي ما بدأت زي ما انتهت و كل شىء هيرجع زي ما كان بالظبط. كونك عارف انت مين و جاي منين و عارف موقعك من الاعراب ده في حد ذاته انجاز و مش بيحصل لوحده..الموضوع بيحتاج شغل و مجهود و شغف و مراقبة ذات و قراية, كونك مش عارف انت مين ولا عايز ايه و الانكار هو حلك لكل شىء , فـأكيد انت محتاج وقفة مع النفس.
للأسف معظم الناس بيعانوا من الموضوع ده, علشان كدة بتلاقي الشخصية السلبية و العدوانية و الاعتمادية اللي بتميل للتقوقع حول نفسها و عيليتها بغض النظر عن المبادىء, واكيد مشاكل التواصل و العند و التغير المستمر من غير تبرير او تجربة حقيقية, و العجز عن الابتكار و الاهم اهمال الواقع المادي و اتخاذ قرارات انفعالية و عاطفية. محتاجين شوية تركيز..محتاجين نجرب بنفسنا و منسرقش تجارب الناس التانية و ننسبها لنفسنا و نشوه شخصيتنا..ونهتم بطقوس الأفكار اكتر من مضامين الأفكار.
هل معني كدة ان الناس مش بيتغيروا؟ طبعا لأ.. بس هم مش بيعملوا كدة علشان عدوا بتجربة فغيرت في شخصيتهم بل بالعكس ده ممكن يخليهم يزيدوا في انكارهم.. التغيير بيحصل غالبا نتيجة مؤثرات اجتماعية عاطفية بحتة.
الخلاصة ان حياتك هي ما اخترتها ان تكون فكانت. اللي انت بتعمله بيبقي انت في الأخر و هو ده المعني..
خوفك من انك تزعل الناس كافي انه يقضي علي شخصيتك..رضا الناس عنك مش هينفعك وانت ميت لو كانت حياتك كلها بؤس و مشقة علشان ترضيهم..اتصالح مع الحاجات اللي حواليك قبل ما تشتكي من ضياع سلامك النفسي و تعامل مع الامور زي ماهي علشان حياتك اقصر من انك تغير طبائع الاشياء. و عامة العلم بيقول ان جسمك صورة طبق الاصل من الكون, يعني الماية و الهوا و الحرارة و العناصر و المعادن و الخلايا و الطاقة و الفضا و البلايين من الذرات و تراب النجوم.. فكل ما تتأمل في نفسك هتلاقي اعماق و ابعاد هتفهم بيها الوجود الخارجي و الكون..لازم تعرف ان معرفتك لنفسك هو معرفتك للبنية الوجودية ككل و زي ما -الله يمسيه بالخير- هيرمس العظيم كان بيقول “كما في الاعلي كما في الاسفل” يعني احنا كمان كون مصغر.