التوهم المرضي: طالما حاسس اني عيان، أبقى عيان

التوهم المرضي الإنجليزي ليه كذا إسم؛ Hypochondriasis (هايبو-كون-دير-يا-سيس)، او Health Anxiety، او Illness Anxiety Disorder.

وبيعبر عن قلق او خوف حقيقي من الإصابة بمرض خطير. بس استنى، ده المرض مش موجود من الأساس… لأ فهمني بقى، إزاي؟

بُص، عارف انت الناس اللي بتسمع عن مرض او تقرا عنه فتقولك باااااس، انا عندي ده، هو ده اللي عندي خلاص.  طب انت رحت كشفت مثلًا؟ أخدت تشخيص؟ عملت تحاليل؟ عملت أى حاجة؟  لأ.

ودي شائعة جدًا في علم النفس، خصوصًا للي بيقروا فيه بتعمُق او بيكتبوا فيه (اللي هو احنا كده آه)  لإن احنا بناخد تشخيص مبدأي عن مرض نفسي او إضطراب بإننا بنلاحظ مجموعة أعراض ولازم على الأقل يكون موجود منهم رقم مُعين (من اربعة لستة مثلًا) ولفترة زمنية مستمرة ومتصلة.

لأ معلش الكلام ده يتوّه، تعالى ندي مثال؟

نقول مرض ألزهايمر (الألف واللام جزء من الإسم) ليه اعراض زي فقدان الشعور بالزمن، والنسيان المتكرر وشوية اضطرابات سلوك زى انك متبقاش عارف تعمل حاجة كنت متعود تعملها.

دي تحسها حاجات إعتيادية، وممكن تحصل مع شوية توتر او قلق او نسيان عادي.. لكن لأ، اللي عنده التوهم المرضي بيقول باااس، انا عندي ألزهايمر خلاص، يالاهوااي، اعمل ايه في نفسي دلوقتي.

طب ما يروح يكشف؟ مثلًا؟

طب ايه ده؟ هو مش عارف يكشف؟ ايه مزاجه انه يشغل دماغه بكلام فاضي كده؟ ولا هي كلمة توهم مرضي شيك؟
هنا نيجي للجزء الرخم من الحالة بقى، الحالة دي بتخلي المُصاب بيها حتى لو راح كشف.. هيشك في الدكتور والتمرجي وأى حد قابله في العيادة، اللي هو انتوا بتكدبوا عليا او مش عارفين شغلكوا كويس، انا عندي المرض الفلاني ايش فهمكم انتم في الطب؟

طب يا استاذ ماهي التحاليل قدامك اهي ومكتوب Negative وكله سليم..
لأ التقرير ده متفبرك والكلام ده مش حقيقي، انا عارف نفسي احسن منك.

طيب نقول انه –بمُعجزة- الراجل اقتنع ان ممكن يكون عنده حاجة بسيطة، يعني مثلًا عنده إلتهاب في حتة مُعينة وهياخدله دوا وهيبقى كويس، إلتهاب عادي بسيط.. لأ، هيقول ده سرطان. اه سرطان ايش فهمك في الطب انت؟ انا حاسس انه سرطان يبقى سرطان.

معلش على تصوير الحالة بإنها شخصية عنيدة ورخمة، ده مش مقصود، لأنه في الحقيقة التخوفات دي بتبقى جاية من قلق وخوف وحاجات صعب السيطرة عليها.  حاجة زى صوت داخلي كده “انت عندك كذا.”

فاكر انت الوسواس القهري؟ اهو ده شبهُه.  ورغم التشابه بينهم، لكن هما حالتين منفصلتين.

ده غير برضو ان حالة التوهم المرضي بتخلي المُصاب بيها خايف يروح يكشف ويتأكد انه عنده مرض حقيقي ولا لأ. ليه؟  علشان خايف من النتيجة، خايف من إحتمال الـ50% انه يكون عنده مرض وشكوكه تتأكد.

وساوس التوهم المرضي

ورجوعًا للتشابه بين الحالة دي والوسواس القهري، فالمُصاب بالتوهم المرضي هتلاقيه بيفحص نفسه على حاجات زى الحرارة والضغط الدم ومستوى السكر (وأى حاجة تانية ممكن تتعمل في البيت) كذا مرة في اليوم.  وكل مرة بيتهيأله انه هيقفش المرض مُتلبس اهو خلاص.. ايه ده، مفيش حاجة؟ هفاجئه كمان ساعتين.

ده غير ان في حالات من التوهم المرضي بتوصل لإن المصاب بتجيله تهيؤات بصرية عن نفسه وهو مُصاب بمرض في مراحله الأخيرة، مُعاناة المرض، مُعاناة الموت، او الحاجات اللي ممكن تحصل لما تحصل الوفاة (أسرتي او اصحابي هيحصل فيهم كذا)

وعلى نفس فكرة ان تشخيص اى اضطراب نفسي محتاج فترة مُعينة، ففي حالة التوهم النفسي لازم تستمر الوساوس دي لمدة ست شهور.  علمًا بإن الخوف من مرض سرطان مثلًا ممكن يقاطعه خوف من مرض السكر.. وهكذا.

حاجة هنا لازم تتقال برضو، وهي ان التوهم المرضي ممكن ييجي فعلًا لشخص مريض، لإن الحالة بتعبر عن رد فعل بمُبالغة أكتر من المرض نفسه.

إيه كمان لازم أعرفه؟

من مُسببات التوهم المرضي هو ان يبقى ليك قريب، فرد من العيلة، او صديق مُقرب عانى أو بيعاني من مرض مُزمن أو صعب. ده اللي هو انك تتأثر بالمشاهدة والتجربة.

ده غير ان لو ليك تجربة سيئة مع طبيب او مستشفى، خصوصًا لو كانت تشخيص خاطيء او إهمال او حاجات من دي، واللي بتقلل الثقة في دقة التحاليل، بتصب في الإتجاه ده.

التوهم المرضي أحيانًا بيُشار ليه بإسم “متلازمة طالب الطب”؛ يعني ان الشخص ياخد معلومة غير مكتملة ويعمل منها حاجة، او مثلًا بطنه توجعه فيدور على جوجل على وجع البطن وياخد اصعب واندر وارخم نتايج ممكن يلاقيها، ويصدقها.

الدعم في النقطة دي تحديدًا بيبقى حاجة محورية، علشان نأكد على “لأ، احنا لازم نعرف ايه اللي بيحصل واحنا جنبك ايًا كانت النتيجة وهنحارب المرض لو موجود” بس نخلي بالنا كويس علشان بيبان أوي لما بتاخد حد على قد عقله، وجزء كبير من الحالة هو عبارة عن أزمة ثقة، فمش لازم نزود على حد بإننا ناخد صف الدكاترة ضده، ولا ناخد صفه ضد الدكاترة. هنبقى كده بنقوله بشكل غير مُباشر “انت يا عبيط.. يا كداب.” الحيادية مطلوبة إلى جانب التوصية بدعم نفسي من مُتخصص علشان تتوصف أدوية مناسبة.

نخلي بالنا

أحيانًا في ناس بتاخد السلوك ده علشان ليها منافع عاوزة توصل ليها، زى إضطراب مانشهاوزن واللي ببساطة بيخلي حد يظهر اعراض مرضية على حد تحت رعايته علشان أهداف مُعينة.. يعني مثلًا، في حالة لأم زيّفت إصابة بنتها بفشل كلوي وخلتها تمر بعمليات كتير ودكاترة.. بدون أى سبب.

وفي حالات تانية لما حد بيوهم نفسه بمرض او عدة أمراض علشان عاوز أدوية، سواء من باب إدمان الأدوية دي أو لمُجرد ان عنده هواجس تخليه يلف على دكاترة وصيدليات علشان يجيب ادوية. (حاجة زى مُدمني التسوق، بس للأدوية) ودي ممكن تتمادي انه بعد ما يكدب الكدبة يصدقها.

في حالات ذهان (ميلانخولي/ مانخوليا) بتخلي المُصاب بيها يتخيل انه حصلُه حاجة او حاسس بحاجات مش حقيقية، يعني يقول “انا ضهري مكسور” وممكن يعاني من صعوبة حركة لمجرد التخيُل ده، فاللي حواليه هيصدقوا ايه بالظبط؟

مينفعش نخلط مابين التوهم المرضي وإضطراب القلق العام، دي حالة ليها علاجها، والتانية علاجها مختلف.

وممكن الإضطراب الحدي (Borderline) ياخد منحى جسدي ويدخل في شكاوى عن الصحة الجسدية او المرض، خصوصًا لو زى ما قلنا، فيه حد قريب منه ليه تجربة مع مرض صعب.

وفي حالات… لازم نصدق فيها اللي بيشتكي. علشان التوهم المرضي ممكن ببساطة ميبقاش توهم، وانه فعلًا بيعاني والصدفة حطتنا مع طبيب مُهمل او غير مُتمرس، او تحليل اتعمل غلط او تقرير فيه غلطات مطبعية… بتحصل.

اترك تعليق